الثلاثاء، 17 فبراير 2009

الثانية...




بسم الله الرحمن الرحيم

((لحيةٌ ونقاب))








سائرٌ في طريق عودتي للبيت وإذا بي أمر بشارع مختصر ضيق، وتسير أمامي فتاتان أظن أن عمر كلتاهما لا يتعدى الثالثة عشرة، ومن ثقل ما كنت أحمل من أغراض كنت بطيء المشي مما عرضني لسماع حديث الفتاتين الذي كان بدوره عالي الصوت.
إليكم الحديث كما كان ثم نأتي بعده بالتعليق:

س:أمك عاملة ايه دلوقتي؟
ص: تعبانة قوي ومش عارفة أعملها ايه...
س: أمال اخواتك الرجالة فين؟!!
ص: اخواتي واحد سايب البيت وصايع والتاني في شغله مش دريان، ومش بس كده؛ ديك النهار اتخانقوا الاتنين وواحد عور التاني راح التاني الشيخ ((الشييييخ)) راح رافع المطوة على أخوه عاوز يغزه بيها وكل ده وأمي تعبانة
.

هذا كان ما سمعته غصبًا وليس تلصصًا عليهما.
لقد أثارني ما سمعت أي إثارة، وحرك في داخلي حزنًا رهيبًا...
أعلم أن الحوار مليء بمواطن يمكن الحديث عنها كثيرًا، لكن ما سأقتصه منه هو كلمة واحدة ((الشيخ))...
سبحان الله...لم تكن الفتاة لتكرر هذه الكلمة ويعلو بها صوتها إلا لأنها أدركت معناها تمام الإدراك، وأيقنت أن "المشيخة" لا تكون بالمظاهر إنما بالكلمة الطيبة والخلق الجميل، مما دفعها لأن تستنكر وتندهش من خلق "الشيخ" الذي من المفترض أن يكون هو القدوة في بيت ليس فيه شيوخ غيره.
سبحان الله...فقهت الفتاة...
أستطيع أن أتصور متى تطلق فتاة بهذا العمر على أخيها لفظ "شيخ"، أعتقد أنها اللحية والصلاة في الجامع واصطحاب القرآن أينما ذهب، ومشاهدة قناة الناس والرحمة وربما الحكمة أيضًا -مع كل احترامي لشيوخهم الأجلاء- وليس في ذلك أي خطأ بل هذا كله من فضائل ديننا الحنيف، لكن ما يحيك في صدري أن تتوقف "المشيخة" عند هذه الظاهرات الصغيرة دون غيرها من أسس الإسلام الذي قال عنه خير الخلق عليه الصلاة والسلام "الدين المعاملة"، ويؤكد ذلك ما وصف النبي به نفسه حين قال أنه أتى ليتمم مكارم الأخلاق.
حقًا...لقد اشتقت لقول هابيل لأخيه كما جاء في الذكر الحكيم:
((لئن بسطت يدك إلي لتقتلني ما أنا بباسط يدي لأقتلك))
عفوًا يا شيخ...إنك جهلت أو تجاهلت أن رفع السلاح على أخيك المسلم ينزع عنك عباءة المشيخة، كما أنك نسيت أو تناسيت أنك بما فعلت من مظاهر طيبة حسنة أصبحت قدوة في نظر من حولك بداية بأختك المسكينة التي...
التي أظن أني أراها في المستقبل كف تكون أمًا تربي أبناءها على هذه الجملة: "يابني مش كل من ربى دقنه بقى شيخ، ده ياما ناس مربية دقنها وبتعمل وتسوي، وشفت بعيني محدش قالي"...

حقًا...لك الله يا فتاة...ولنا الله فيما سنراه من نسلها الذي سيتغذى عقله على كره الشيوخ وسيرتهم...

أترك الفتاة وأخيها وأذكر موقفًا شبيهًا حدث أول أمس أمام عيناي...
إليكم الموقف:

جالس بمحطة مترو الأنفاق بصحبة زميل عزيز منتظرين قدوم القطار ليعود كل منا إلى بيته...
وإذا بشابٍ "ملتحٍ" يتسلق سور المترو الخلفي ليدخل المحطة دون أن يتكلف عبء ثمن التذكرة...
أردنا إحسان الظن به فقال صاحبي: يمكن مربي دقنه كسل ولا منظره.
وعندما ظهرت ملامحه جيدًا وجدناه حافًا لشاربه مطلقًا لحيته كما تقول السنة النبوية تمامًا.
وحينها فقط أدركت أنا وصديقي أنه من هؤلاء "الشيوخ" الذين سبق ذكرهم أعلى هذه السطور...
عفوًا يا "شيخ"...إنك نسيت أو تناسيت أن من غشنا فليس منا، فسولت لك نفسك الغش فيما قد تراه صغيرًا، لكني والله أراه كبيرًا...
هب أن أحد صبيان المدارس لمحك وأنت تقفز هذه القفزة...
أتعلم يا شيخ...سوف يغش هذا الصبي في حياته كلها، ويقفز من سور الأمانة ليأخذه قطار الخيانة إلى محطة الهلاك الأخيرة...وقد يكون كل هذا...بسببك...يا شيخ...

ما يشبه تلك المواقف ما أخبرني به صديق آخر منذ فترة...

قال: عارف...أنا بكره الست اللي بتلبس النقاب دي...ياعم دول بيبقوا عاملين ومسويين بلاوي زرقا...اسكت انت متعرفش حاجة...

لا أعلم صدقًا إن كان قد رأى فعلًا ما يجعله يقول هذا الكلام، إلا أني أقول أني رأيت من المنتقبات بعضًا مما رأيته في الشيوخ...بالطبع شيوخ ومنتقبات هذا الزمان الغريب، وليس كما ينبغي أن يكونوا عليه.

مع كل ما وجههته من لوم ونقد...ستعجبون إن قلت الآن: أنا آسف...
أقولها لكل ملتحٍ ولكل منتقبة...نعم...فقد لمتكم ونقد أخطاءكم وكأنكم ملائكة لا بشر يخطئ ويصيب...لكن هذا قدركم أن خلقكم الله في زمن ينظر فيه الناس لكم هذه النظرة...
احترسوا...لكل كلمة...لكل نظرة...لكل موقف...فالناس تنظر إليكم نظرة القدوة...أعلم أنكم لستم جميعًا على قدرها...لكن أعانكم الله عليها...أنتم في زمن أصبح فيه حديث اللحية والنقاب شبهة تتناولها ألسن الشيوخ والمفتين في كل مكان...وازدادت علينا الشبهات...فقد صار الحق محاطًا بالضباب غير واضحًا للعامة بل بالكاد يدركه خاصة الخاصة...
اسمحولي أن أستعير جملة الممثل "ظالم إمام" وأحرف فيها وأقول:"بلد بتاعة شبهات صحيح"...

وأختم حديثي بالتفاؤل والأمل كما ستعتادون مني على لك إن شاء الله...

فقد رأيت من الملتحين رجلًا كان أستاذي في الثانوية، وكانت السنة التي قضيتها معه محور تحول في حياتي...وهذا مما رأيته فيه من خلق جميل وثقافة ثقيلة، وأدب وعلم غزيرين، لن تكفي كلماتي مدح خصاله-ولا أزكي على الله أحدًا- لكن باختصار...ما أروعك من ملتحٍ قدوة.
وبالجانب الآخر رأيت امرأة منتقبة غايةً في العلم والثقافة، ما من كلمة قالتها إلا وكانت تنم عن حكمة عالية وعلم بديع، إضافة إلى أن المناسبة التي رأيتها بها كانت مسابقة للمخترعين، فعجبت حينها أن كانت امرأة منتقبة –بالإضافة لما تحمله من علم- وتخترع ما يفيد البشرية...باختصار...ما أروعك من منتقبةٍ قدوة...

رجائي الأخير...
لا يكن منكم من يحكم على الناس لمظهره...فقد يخبئ المظهر وراءه باطنًا عجيبًا...أرجوكم...لا تزيدوا نار الشبهات بتصديقها والتصديق عليها...وإن رأى منكم أحد الملتحين أو إحدى المنتقبات...فليحكم على ما في عقله من علم وما في شخصه من خلق، وليتجاهل ما كان ظاهرًا منه...

وفقنا الله جميعًا إلى ما يحبه ويرضاه...

الخميس، 5 فبراير 2009

الأولى...




بسم الله الرحمن الرحيم السميع العليم



في زمن نرى فيه اختلافًا كبيرًا عن زمن الرسول خير الأنام...

يتصارع في جوفي إحساسان متناقضان...

وحتمًا...أحدهما سيفوز...

((صراع الألم والأمل))


يارب إني لراضٍ والرضا صفتي***أن كان عمري ببعض زماني الحالي

أن عشت أشهد للعصيان ألوانًا***يندى لها خجلًا خُلُقُ الفتى السامي

أن عشت أبحث عن قدواتنا فأرى***من أسفل الناس من قد صار في العالي

لم أصحب ابن الخطاب ولا أبا بكرٍ***وسمعت لذا بن الديابِ غناءه البالي

لم أصحب ابن العفان ولا الإمامَ علي***ورأيت تمثيله بن إمامٍ الغاني

لم أشهد العدلَ عند الخامس العمرِ***ورأيت ظلم الحكام ورأسهم مصري

لم ألقَ معتصمًا فيغيث من صرخت***ورأيت عاشق عرش المنصب الفاني

لم أحيَ في عهد عائشةٍ ولم أرها***ورأيتُ الهيفاءَ تعرضُ جسمها العاري

لم تحظَ عيني بنور المسجد الأقصى***ورَأت صهاينةً في حضنه الغالي

لم أحيَ يومًا وأندلس الهدى معنا***ورأيت إسلامها قد صار في الماضي

قد كان يجمعنا الإسلام في وطنٍ***واليوم وحدتنا لحقت بأجدادي

ما بين سنيٍ والشيعةُ الأخرى***وهناك سلفيٌ وهناك إخواني

يكفي بكاءً فقد أرهقتها عيني***نبكي على الماضي ننسى من الآتي

مع كل أحزاني بالرغم من ألمي***أقسمت أن تغلب الأحزانَ آمالي

لازلت أحلم بالأفراحِ آتيةً***مع كل فجرٍ به البشرى لأيامي

في أمتي قومٌ هم سادة الأمم***لكن تشتتهم في الأرض أضناني

إنى رأيتُ زويلًا قائدًا علمًا***فهو الوريثُ بحقٍ لابن حيانِ

إن كان حَبرُ التفسير هو ابن عباسٍ***فاليوم نسمع عذب القول شعراوي

إن كان في السابق الطبري مؤرخنا***فاليوم يرغب في التاريخ سرجاني

كان بن عبد السلام العز في الماضي***واليوم يمشي بنفس الدرب قرضاوي

بوركت يابن الجوزي خير داعيةٍ***واليوم عمروٌ ومن يدعى السويداني

شهداءُ سابقنا كثر وقد زادوا***ياسين درتنا والألف غزاوي

إني أشم عبير النصر مقتربًا***وغدي سيحمل عودة عزنا الماضي

إني لعودِ صلاح الدين مرتقبٌ***سيعود حتمًا لينصر جيل أبنائي

تمت بحمد الله...