الخميس، 27 مايو 2010

في الطريق إليها...الحلقة الثانية


"لا...لن أحتمل...لابد من طريقة أخرج بها للجهاد...لن أدع فرصة كهذه تفوتني...ممممم...وجدتها...هناك العديد من العبيد يذهبون هذه الأيام لبناء القلعة التي أمر ببنائها السلطان على الجانب الأوروبي المقابل لمدينة القسطنطينية، حتى يجعل من هذه القلعة مركزًا لهجومه على المدينة، ماذا سيحدث إن تلثمت وتخبأت في زي العبيد وذهبت معهم للبناء حتى يحين وقت الجهاد!! لن يعرف ذلك أحد إلا الله..."

وبدأت (حبيبة) بالاستعداد جديًا وأعدت ملابس العبيد المهلهلة وعقدت النية على الخروج، وقامت من الليل لتصلي فجرها وتخرج...ولكن أثناء صلاتها...

((...ولا الضالين..آمين...ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرجٌ إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيلٍ والله غفورٌ رحيم * ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلتَ لا أجد ما أحملكم عليه

تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنًا...

تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنًا...

تولوا وأعينهم تفيض من الدمع...حزنًا......ألا يجدون ما ينفقون...))

وفاضت عينا (حبيبة) من الدمع حزنًا وسقطت ساجدة على الأرض لم تحملها قدماها...وظلت تبكي وتئن وقلبها يكاد ينشق عن صدرها ويخرج صارخًا ملبيًا نداء حي على الجهاد...ودموعها كسهام مسممة تفتك بها الواحدة تلو الآخرى...وكأنها لأول مرة تقرأ هذه الآية...لأول مرة يتغشاها هذا الحزن العميق...لكن لا عجب ممن عاش في خدمة دين الله أن ينفطر قلبه حزنًا إذا حُرِمَ يومًا من هذه النعمة الجليلة...فما كان حزنها شديدًا إلا لأن حبها لخدمة الإسلام شديد...تعلم وتوقن أن من اختاره الله في مكان يخدم فيه الدين إنما اختاره لأنه سبحانه يعلم كفاءته لهذا المكان، وأن فيه الخير كل الخير له وللأمة...وبئس من يستخدمه الله في خدمة دينه ثم يتنصل من ذلك تنصل الهارب من النار إن أصابه لهيبها...

قامت (حبيبة) من سجدتها وختمت صلاتها والدموع لا زالت في انهمار...وظلت تدعو بأنين خافت...اللهم استخدمنا ولا تستبدلنا...اللهم استخدمنا ولا تستبدلنا...اللهم استخدمنا ولا تستبدلنا...وتراجعت عما نوت عليه من خروجٍ خَفِي...وهي على علمٍ أن ما قدَّره الله لها هو خير مما كان في نيتها...واستلهمت حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: ((من طلب الشهادة بصدق بلَّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه))...

..................................

في الدار المقابلة يستعد (خالد) ويجهز سلاحه ومئونته للخروج لمعسكر التدريب...صلى فجره وقبَّل يد أمه في خضوع...ورجاها ألا تنقطع عن الدعاء له وللمسلمين بالنصر المؤزر والفتح الكبير...ووعدته بذلك وضمته لصدرها ضمَّةً أودعت فيها كل ما تحمله الأمهات من حنان قلبٍ وفيض حب..."توكل على الله يا بني...إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم...إن شاء الله ستعودون سالمين غانمين فاتحين"

وانطلق مليئًا بالحماس وجهه مستبشر ورأسه في السماء...وتعلو وجهه ابتسامة نصر يلوح في الأفق...

خرج (خالد) من داره مترقبًا نظرة فرح وسعادة من (حبيبة)، وهو يظن أنها ذاهبة هي الأخرى للجهاد لا محالة...لكن فوجئ بابتسامةٍ مكسوةٍ بالدموع...تعجب منها أشد العجب...ولم تفارق صورتها ذهنه طيلة مدة سفره...لم يكن تعجبه من معناها فقد فهمها بسرعة كعادته...لكن تعجب من أن (حبيبة) لم تخرج أصلا للجهاد وهي الحريصة عليه، وليس هناك من مانع يمنعها من الخروج...

"ما بالك يا (خالد)...فيمَ تفكر!!...أنت ذاهبٌ للجهاد وحربٍ ودم...نصرٌ أو شهادة...كيف يذهب تفكيرك لحبٍ وهيام...استفق من غفلتك أراك سكرت دون خمر...تجهز لما ينتظرك...ولا تكن من الغاوين..."

(خالد) يحدث نفسه..."لا أدري حقيقةً...لِمَ أفكر فيها كثيرًا...لِمَ تشغل حيزًا كبيرًا من تفكيري...لِمَ أجد روحها حولي في كل الأفعال والأقوال...مع أني لم أحدثها قط...كل ما أعرفه عنها ما تحكيه لي أمي عنها وعن حسن أخلاقها وحنان قلبها ورجاحة عقلها...لم يسبق أن تشغلني امرأة من قبل كهذا...وحتى وإن لم أعرف عنها شيئًا...أجد روحي تحن لمكان تواجدها...وعيناي تتشوق لنظرةٍ خاطفة منها...حتى ولو كانت من وراء حجاب..."

(خالد) يستمر في محادثة نفسه طوال طريق السفر..."ربِّ إني أدعوك دعاء موسى في الظل...ربِّ إني لما أنزلت إلي من خيرٍ فقير...ذاهبٌ أنا للجهاد ولحرب لا يعلم إلا الله منتهاها...ولا أعلم إن كنت سأعود بلادي أم ستكون البارحة هي آخر ليلةٍ أبيتها فيها...هي مدينةٌ لم يكتب الله فتحها لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم...ولم يكتبها للتابعين...أيكتبها لنا نحن؟؟!!...ولِمَ لا؟!! مالك الملك يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء...لعل المولى عز وجل اختصنا بهذا الشرف الكبير...كم انا مشتاقٌ لهذا اليوم الذي ندخل فيه القسطنطينية...حتى وإن لم نحارب ساعة ولم نسفك دمًا...كم أرجو أن يهدي الله أهلها جميعًا على يدينا ويحرم أجسادهم على النار...على قدر ما حاربت في سبيل الله أعداء الله...على قدر ما رجوت أن كل روحًا زهقت على سيفي كانت دخلت في دين الله في سلام...لكن لكل أجلٍ كتاب..."

ما زال يحدث نفسه..."ياااا الله...يشغلني أمران كلاهما مؤرق...جهادٌ في سبيلك وامرأة من إمائك...شغلني حبها حتى كدت أنطق شعرًا لولا ضعف لساني فيه...رباه أنت تعلم أن الجهاد قد شغلني عن الزواج...لا يمر علي شهران إلا وأنا في ميدانٍ معركة أحارب...أو في خندق أبيت في حراسة الناس...وأنت تعلم أيضًا أني حريصٌ أشد الحرص أن أحصن نفسي وأقيها شر الفتنة وبلواها...كما تعلم يا ربي حالي من قلة المال ومراعاتي لأمي التي فقدت زوجها في شبابها ولم يتبق لها سواي...آآآآآآآه...ربِّ...قد خاب وخسر من خادع الله ورسوله...وأنا لن أخادعك يا مولاي...نعم أحب هذه المرأة...وشغلني حبها حتى كدت أنسى الجهاد في سبيلك...وأنا أخشى على نفسي الفتنة التي زادت في زمننا هذا...فالطف بي يا الله واجعلها قدرًا لي...وإن لم يكن بها خير فاقدر لي الخير حيث كان ورضِّني به...أنت نعم المولى ونعم النصير..."

.....................................................

خلا البيت على أم (خالد) كعادة كل الحروب التي يغيب فيها أيامًا وشهورًا...لكن اليوم أتت لزيارتها (حبيبة) لتخفف عنها وحشة الفراق...

"(حبيبة)!! لِمَ لم تذهبي للجهاد...إنها لحربٌ ضروس وسيحتاجوكِ فيها ولا شك..."

"قدر الله ما شاء فعل يا أماه...لم يكتبها لي الله هذه المرة...لعله خير"

"لعله خير..."

"دعك عني...كيف حالكِ اليوم؟؟"

"أحمد الله حمدًا كثيرًا...ذهب (خالد) للجهاد وها أنا أقضي الوقت في عبادة الله والدعاء لهم علَّ الله ينصرهم بقدرته وفضله"

"إن شاء الله سينصرهم ويشد أزرهم...ويهدي على أيديهم كثيرًا من خلقه...وإني أشم رائحة النصر من مكاني هاهنا"

"آآآآآآه يا ابنتي...تذكرينني بزوجي رحمه الله وأسكنه من الجنة الفردوس الأعلى...كان دائم البشر والفأل الحسن...كثيرًا ما قست عليه صروف الزمان...لكنه كان دائمًا ما يجابهها بوجه بشوشٍ وفألٍ حسن...وسبحانك يا ربي...لم أرَ في حياتي من هو أشد بلاءً منه...وكذلك لم أرَ من هو أكثر بشرًا وتفاؤلاً منه...أتعلمين يا حبيبة...لعلي لا أبالغ إن قلت أن أول ما جعلني أتعلق به وأوافق على الزواج منه هو بسمته العذبة ووجهه البشوش...تلك البسمة التي أنستني عذاب سنين مرت علينا سويًا قبل أن يخرج ابننا خالد للنور...كانت معيشتنا صعبة...وكان دائم الجهاد في سبيل الله...ولذلك لا أتعجب من حال ابننا الآن...فمن شابه أباه فما ظلم..."

"وماذا أيضًا يا أماه؟؟" تقولها (حبيبة) بشغفٍ وفضولٍ واضح على عينيها...وتأمل أن تجتذب أم خالد للحديث عن خالد نفسه...أكثر من حديثها عن أبيه...فيبدو أن الحب دق بابها هي الأخرى...

"كان أبو خالد دائمًا ما يكرر حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((لاعدوى ولا طيرة ’ ويعجبني الفأل قالوا : وما الفأل؟؟ قال:كلمة طيبة))...وكان كل معركة يذهب إليها لا يعلم أسيعود منها أم لن يرجع ابدًا...ومع ذلك كانت ثقته بالله أقوى من ثقته بتعاقب الليل والنهار...كان يتدرب على القتال بإتقانٍ لم أرَ له مثيلاً...ويتوكل على الله بإيمانٍ صادقٍ ونفسٍ مطمئنة...واعتاد أن يعلم ابنه مهارات القتال...ومعها كان يعلمه كلمات يكررها على مسامعه كل حين...كان يقول: (يا بني...لست أول من سيجاهد في سبيل الله...ولا آخرهم...لكني أريدك أقواهم وأكثرهم إيمانًا ومهارة...كن مستعدًا دائمًا لمعركتك الأخيرة...فلا يعلم ميعادها إلا الله...وتوكل عليه فإنه يحب المتوكلين...وتذكر يا بني...مهما ضاقت عليك الدنيا...ابتسم...فالبسمة إن لم تُضِئ لك طريق الظلمات...أرشدتك إلى مصدر النور والنجاة)...آآآآآه يا حبيبة...يالها من أيام تبعث في القلب الشجون..."

"وماذا عن ابنه؟! أتعلم منه ذلك بالفعل؟؟!!" تقولها على استحياء...

"أتعلمين يا حبيبة...لم يهون علي فراق أبا خالد إلا أن أصبح خلد نسخةً من أبيه...ثقته بالله لا تقارن...وابتسامته لا تفارق وجهه مهما اشتد الخطب..."

تقول (حبيبة) في نفسها..."أما هذه فأعلمها جيدًا"

تكمل أم خالد "لقد رزق الله خالد قوةً ومهارة في القتال لم أرها في غيره من المقاتلين...لقد دربه أبوه كما أخبرتك...وإني لاجد خالد تفوق على أبيه في القوة والمهارة...لطالما يحكي لي خالد حكاياتٍ عن أيامه في الجهاد...ما كنت لأصدق حكاويه تلك إلا لاني أجد المدينة كلها تتناولها في أحاديثها كالأساطير...ومع كل هذه القوة والحزم في الحرب...فقلبه أحن عليَّ من نسمات ربيعٍ بهيج...ولا يكلمني إلا كما تتكلم العذراء من شدة الخجل...رأيت فيه قول الله تعالى متجسدًا...((أشداء على الكفار رحماءُ بينهم))..."

وهنا كانت الخجول هي (حبيبة) من رقة ما تسمع عن (خالد)...واحمر وجهها كوردةٍ حمراء ساعة الإزهار...ومع كل كلمةٍ تسمعها يزداد قلبها شغفًا به...وتزداد روحها تعلقًا بروحه...حتى وإن باعدت بينهما المسافات والأميال...

.....................................................

استقر الجيش بالقرب من القلعة التي أمر ببنائها السلطان (محمد الثاني)...وأمضوا وقتهم في التدريب والاستعداد للقتال...كان السلطان السابق بايزيد الأول قد أنشأ قلعة الأناضول على ضفة البوسفور الآسيوية على أضيق نقطة من مضيق البوسفور المؤدي إلى البحر الأسود أمام القسطنطينية أثناء حصاره لها...وقام (محمد الثاني) ببناء قلعته على الجانب الأوروبي من البوسفور في مواجهة الأسوار القسطنطينية، حتى تكون قاعدة ينطلق منها لمهاجمة القسطنطينية...وبدأ البناء على قدمٍ وساق...لم يعلن السلطان (محمد الثاني) الحرب علنًا على القسطنطينية...لا يزال يضع أملاً على فتحها بالسلم لا بالحرب...وبالمفاوضات مع امبراطورها البيزنطي...لكن دون جدوى...

جهز السلطان الجيش وأعطاه الفرصة ليتدرب ويتمرن أثناء مدة بناء القلعة...حتى إذا اكتمل بناؤها كان الجيش في أقوى حالاته وبدأ المعركة كالريح العاصفة...

وفي الجيش بالطبع (خالد)...شغل نفسه عن التفكير بالتدريب وتقوية مهاراته...يبارز هذا ويُعَلِّم ذاك على حمل السيف ورمي السهم...كان يستحضر في كل ضربة سيف ما علمه أبوه...ويزداد حماسه يومًا بعد يوم...وفي إحدى المبارزات مع زميلٍ له في الجيش أثناء التدريب...فجأة...بَرَقَت عينا (خالد) وتوقف عن المبارزة...وصرخ...

"ما هذا!!!...ماذا أرى؟!...أحقًا هذا؟؟!!!....آآآآآآآآآآآآآه"

ووقع (خالد) أرضًا ودمه يسيل....................................................يتبع

في الطريق إليها...الحلقة الأولى


-
"بوركت يا خالد...وفقك الله وأعانك أنت ومن معك...ورزقكم نصرًا مؤزرًا من لدنه سبحانه...كم تمنيت أن أكون معكم لولا منعتني قدمي وما جرا لها في الفتح الأخير"

- "بارك الله لك وشفاك يا عامر...خذ النية ولك الأجر إن شاء الله"

- "إن شاء الله"

(خالد) يجري في قمة السعادة والأمل والحماس، متوجهًا لأمه ليزف إليها الخبر السعيد...والتي كانت تحس أن بشرى ما قادمة...وها قد أتت...لقد تم اختيار ابنها (خالد) في الجيش الزاحف إلى القسطنطينية ليفتحها...والذي يعده القائد السلطان (محمد الثاني).

هنأته أمه ودعت له بالإخلاص وقبول العمل...وبالتوفيق والثبات...وبالنصر أو الشهادة في سبيل الله...راضيًا قلبها قنوعًا بأي النتائج...فكلاهما خير...وهي مؤمنة بذلك أشد الإيمان...قلبها قد امتلأ بنور الحق والثقة في علام الغيوب...

وبعد أن شكر لأمه دعاءها وأمَّن عليه...قام مصليًا لله تعالى شكرًا أن منَّ عليه من نعمته واصطفاه وفضله على كثير من خلقه تفضيلاً...

هاهو ذاهبٌ إلى السوق ليشتري مئونة السفر استعدادًا لأيام الجهاد...وإذا به على باب الدار يرفع بصره إلى حيث اعتاد أن ينظر كل صباح...فيجدها متهللة أساريرها وعلى عينيها سؤال لا يحتاج لتفسير...فيجيب سؤالها بعينيه هو الآخر أن ((نعم))...هو ما تظنين...قد اختاروني لهذا الفتح العظيم...وانتقلت السعادة من عينيه لعينيها...ومن قلبه لقلبها...دونما حديث...فحديث العيون هو ديدنهما منذ زمن...هي (حبيبة) جارته منذ بضع سنين...لم يرها في هذه السنين إلا مراتٍ معدودة...ولم يدر بينهما أي حديث إلا حديث العيون...لم يسمع صوتها إلا قدرًا وصدفة...ولم تكن تراه إلا وقت الراحة من الفتوحات والحروب...فمثله ماهرٌ بالحرب والقتال ولا يترك فتحًا إلا شارك فيه...

كانت المدينة كلها تترقب إعلان المختارين لهذا الجيش العظيم...الجيش الذي قد يكتب الله على يديه فتح مدينة استعصى على خلفاء المسلمين فتحها ما يزيد عن العشر مرات...إنها القسطنطينية...قلعة القلاع وحصن الحصون...حلم بفتحها خليفة تلو الآخر..وكان الشعاع الذي بدأ كل هذه الأحلام حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: ((لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش))...

وها هي محاولة جديدة بجيش جديد وخليفة جديد...يحلم بفتحها ليل نهار...ويرجو أن ينال هذا الشرف العظيم...

كانت (حبيبة) من المترقبين لهذا الإعلان...فهي تعلم أن (خالد) هو الآخر يحلم بهذا الفتح...ويدعو الله ليل نهار أن يجعله من نصيبه وقدره...منتصرًا فيه أو شهيدًا...وبالفعل ظلت منتظرة عودته أشد انتظار...والسؤال لم يفارق عينيها إلا حين ارتوى بالإجابة...

وانقضى يوم الفرح والسعادة...وأتى اليوم التالي الذي يُعلن فيه عن المعدات والتجهيزات لرحلة الجهاد...ومن أهم هذه التجهيزات الأطباء والطبيبات الذين سيرافقون الجيش طيلة وقت الحرب...لعلاج من يصيبه أذى من المحاربين...و (حبيبة) من أمهر طبيبات الحروب بعصرها...وكانت تحلم هي الأخرى بمثل هذا اليوم المشهود...إلا أن مكيدة ما منعت اختيارها ضمن الجيش...كادت لها إحدى زميلاتها لتحرمها الأجر الكبير...فقدر الله أن لن تستطيع (حبيبة) الذهاب مع الجيش...

وهنا أصابها الحزن الشديد...بل قل حزنان...أولهما وأكبرها أن حُرمت أجر الجهاد في سبيل الله في فتحٍ عظيمٍ كهذا...قلبها الصغير يتقطع من شدة الحزن...أبكل بساطة لن تستطيع الجهاد؟؟!! كيف ذلك وقد دعت الله ليل نهار...كيف ذلك وقد حلمت عشرات الأحلام في نومها بتفاصيل يوم الفتح ويوم دخول المدينة مع الجيش منتصرًا رافعًا راية الإسلام عاليًا...كاد إيمانها يتزعزع من شدة ما سيطر عليها حب الجهاد...

أما حزنها الثاني...فهو على أنها لن ترافق (خالد) في هذا الجيش...لن تكون بجواره طيلة وقت الحرب...لن تعرف ما جرا وما يجري وما سيكون...لن تعلم أسوف يعود سالمًا غانمًا منتصرًا أم سيبتليه الله في ذراعٍ تُقطع أو في قدمٍ تُبتر...لن تعلم أسيعود لها ببهجة النصر أم سيكتبه الله مع الشهداء...لن تعلم كل هذا...ولن تذهب للجهاد...

يتبع