الخميس، 27 مايو 2010

في الطريق إليها...الحلقة الأولى


-
"بوركت يا خالد...وفقك الله وأعانك أنت ومن معك...ورزقكم نصرًا مؤزرًا من لدنه سبحانه...كم تمنيت أن أكون معكم لولا منعتني قدمي وما جرا لها في الفتح الأخير"

- "بارك الله لك وشفاك يا عامر...خذ النية ولك الأجر إن شاء الله"

- "إن شاء الله"

(خالد) يجري في قمة السعادة والأمل والحماس، متوجهًا لأمه ليزف إليها الخبر السعيد...والتي كانت تحس أن بشرى ما قادمة...وها قد أتت...لقد تم اختيار ابنها (خالد) في الجيش الزاحف إلى القسطنطينية ليفتحها...والذي يعده القائد السلطان (محمد الثاني).

هنأته أمه ودعت له بالإخلاص وقبول العمل...وبالتوفيق والثبات...وبالنصر أو الشهادة في سبيل الله...راضيًا قلبها قنوعًا بأي النتائج...فكلاهما خير...وهي مؤمنة بذلك أشد الإيمان...قلبها قد امتلأ بنور الحق والثقة في علام الغيوب...

وبعد أن شكر لأمه دعاءها وأمَّن عليه...قام مصليًا لله تعالى شكرًا أن منَّ عليه من نعمته واصطفاه وفضله على كثير من خلقه تفضيلاً...

هاهو ذاهبٌ إلى السوق ليشتري مئونة السفر استعدادًا لأيام الجهاد...وإذا به على باب الدار يرفع بصره إلى حيث اعتاد أن ينظر كل صباح...فيجدها متهللة أساريرها وعلى عينيها سؤال لا يحتاج لتفسير...فيجيب سؤالها بعينيه هو الآخر أن ((نعم))...هو ما تظنين...قد اختاروني لهذا الفتح العظيم...وانتقلت السعادة من عينيه لعينيها...ومن قلبه لقلبها...دونما حديث...فحديث العيون هو ديدنهما منذ زمن...هي (حبيبة) جارته منذ بضع سنين...لم يرها في هذه السنين إلا مراتٍ معدودة...ولم يدر بينهما أي حديث إلا حديث العيون...لم يسمع صوتها إلا قدرًا وصدفة...ولم تكن تراه إلا وقت الراحة من الفتوحات والحروب...فمثله ماهرٌ بالحرب والقتال ولا يترك فتحًا إلا شارك فيه...

كانت المدينة كلها تترقب إعلان المختارين لهذا الجيش العظيم...الجيش الذي قد يكتب الله على يديه فتح مدينة استعصى على خلفاء المسلمين فتحها ما يزيد عن العشر مرات...إنها القسطنطينية...قلعة القلاع وحصن الحصون...حلم بفتحها خليفة تلو الآخر..وكان الشعاع الذي بدأ كل هذه الأحلام حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: ((لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش))...

وها هي محاولة جديدة بجيش جديد وخليفة جديد...يحلم بفتحها ليل نهار...ويرجو أن ينال هذا الشرف العظيم...

كانت (حبيبة) من المترقبين لهذا الإعلان...فهي تعلم أن (خالد) هو الآخر يحلم بهذا الفتح...ويدعو الله ليل نهار أن يجعله من نصيبه وقدره...منتصرًا فيه أو شهيدًا...وبالفعل ظلت منتظرة عودته أشد انتظار...والسؤال لم يفارق عينيها إلا حين ارتوى بالإجابة...

وانقضى يوم الفرح والسعادة...وأتى اليوم التالي الذي يُعلن فيه عن المعدات والتجهيزات لرحلة الجهاد...ومن أهم هذه التجهيزات الأطباء والطبيبات الذين سيرافقون الجيش طيلة وقت الحرب...لعلاج من يصيبه أذى من المحاربين...و (حبيبة) من أمهر طبيبات الحروب بعصرها...وكانت تحلم هي الأخرى بمثل هذا اليوم المشهود...إلا أن مكيدة ما منعت اختيارها ضمن الجيش...كادت لها إحدى زميلاتها لتحرمها الأجر الكبير...فقدر الله أن لن تستطيع (حبيبة) الذهاب مع الجيش...

وهنا أصابها الحزن الشديد...بل قل حزنان...أولهما وأكبرها أن حُرمت أجر الجهاد في سبيل الله في فتحٍ عظيمٍ كهذا...قلبها الصغير يتقطع من شدة الحزن...أبكل بساطة لن تستطيع الجهاد؟؟!! كيف ذلك وقد دعت الله ليل نهار...كيف ذلك وقد حلمت عشرات الأحلام في نومها بتفاصيل يوم الفتح ويوم دخول المدينة مع الجيش منتصرًا رافعًا راية الإسلام عاليًا...كاد إيمانها يتزعزع من شدة ما سيطر عليها حب الجهاد...

أما حزنها الثاني...فهو على أنها لن ترافق (خالد) في هذا الجيش...لن تكون بجواره طيلة وقت الحرب...لن تعرف ما جرا وما يجري وما سيكون...لن تعلم أسوف يعود سالمًا غانمًا منتصرًا أم سيبتليه الله في ذراعٍ تُقطع أو في قدمٍ تُبتر...لن تعلم أسيعود لها ببهجة النصر أم سيكتبه الله مع الشهداء...لن تعلم كل هذا...ولن تذهب للجهاد...

يتبع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق